فصل: القسم الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل‏,‏ وربح رده في شركة الأول‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة إحداها ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول‏,‏ جاز وإن لم يأذن له ولم يكن عليه ضرر جاز أيضا‏,‏ بغير خلاف وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرا يحتاج إلى أن يقطع زمانه‏,‏ ويشغله عن التجارة في الأول ويكون المال الأول كثيرا متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز له ذلك وقال أكثر الفقهاء‏:‏ يجوز لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها‏,‏ فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك ولنا‏,‏ أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يكن له‏,‏ كما لو أراد التصرف بالعين وفارق ما لا ضرر فيه فعلى هذا إذا فعل وربح رد الربح في شركة الأول‏,‏ ويقتسمانه فلينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع إلى رب المال منها نصيبه‏,‏ ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى ويقاسمه لرب المضاربة الأولى لأنه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول‏,‏ فكان بينهما كربح المال الأول فأما حصة رب المال الثاني من الربح فتدفع إليه لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني‏,‏ ولأنا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الأولى لاختص الضرر برب المال الثاني ولم يلحق المضارب شيء من الضرر‏,‏ والعدوان منه بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأول النصف والثاني الثلث ولأنه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية‏,‏ أو بصحتها فإن كانت فاسدة فالربح كله لرب المال‏,‏ وللمضارب أجر مثله وإن حكمنا بصحتها وجب صرف حصة رب المال إليه بمقتضى العقد وموجب الشرط والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الأولى من رب الثانية شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل‏,‏ وليس له في المضاربة الثانية مال ولا عمل وتعدى المضارب إنما كان بترك العمل واشتغاله عن المال الأول وهذا لا يوجب عوضا‏,‏ كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو آجر نفسه أو ترك التجارة للعب‏,‏ أو اشتغال بعلم أو غير ذلك ولو أوجب عوضا لأوجب شيئا مقدرا لا يختلف ولا يتقدر بربحه في الثاني والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وإن دفع إليه مضاربة‏,‏ واشترط النفقة فكلمه رجل في أن يأخذ له بضاعة أو مضاربة ولا ضرر فيها فقال‏:‏ أحمد إذا اشترط النفقة‏,‏ صار أجيرا له فلا يأخذ من أحد بضاعة فإنها‏,‏ تشغله عن المال الذي يضارب به قيل‏:‏ فإن كانت لا تشغله‏؟‏ فقال‏:‏ ما يعجبني أن يكون إلا بإذن صاحب المضاربة فإنه لا بد من شغل وهذا والله أعلم‏,‏ على سبيل الاستحباب وإن فعل فلا شيء عليه لأنه لا ضرر على رب المضاربة فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة‏,‏ أو عمل في مال نفسه أو اتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها‏,‏ وفي مال نفسه لنفسه‏.‏

فصل‏:‏

إذا أخذ من رجل مائة قراضا ثم أخذ من آخر مثلها واشترى بكل مائة عبدا‏,‏ فاختلط العبدان ولم يتميزا فإنهما يصطلحان عليهما كما لو كانت لرجل حنطة‏,‏ فانثالت عليه أخرى وذكر القاضي في ذلك وجهين‏:‏ أحدهما يكونان شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع‏,‏ فيباعان ويقسم بينهما فإن كان فيهما ربح دفع إلى العامل حصته‏,‏ والباقي بينهما نصفين والثاني‏:‏ يكونان للعامل وعليه أداء رأس المال والربح له والخسران عليه وللشافعي قولان‏,‏ كالوجهين والأول أولى لأن ملك كل واحد منهما ثابت في أحد العبدين فلا يزول بالاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه‏,‏ بغير رضاه كما لو لم يكونا في يد المضارب ولأننا لو جعلناهما للمضارب‏,‏ أدى إلى أن يكون تفريطه سببا لانفراده بالربح وحرمان المتعدي عليه وعكس ذلك أولى‏,‏ وإن جعلناهما شريكين أدى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير رضاه وليس له فيه مال ولا عمل‏.‏

فصل‏:‏

إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله‏,‏ أو اشترى شيئا نهى عن شرائه فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن أبي هريرة‏,‏ وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع‏,‏ وإياس والشعبي والنخعي‏,‏ والحكم وحماد ومالك والشافعي‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وعن على رضي الله عنه‏:‏ لا ضمان على من شورك في الربح وروى معنى ذلك عن الحسن والزهري ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان‏,‏ كالغاصب ولا نقول بمشاركته في الربح فلا يتناوله قول على رضي الله عنه ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه‏,‏ فالربح لرب المال نص عليه أحمد وبه قال أبو قلابة ونافع وعن أحمد‏,‏ أنهما يتصدقان بالربح وبه قال الشعبي والنخعي والحكم‏,‏ وحماد قال القاضي‏:‏ قول أحمد‏:‏ يتصدقان بالربح على سبيل الورع وهو لرب المال في القضاء وهذا قول الأوزاعي وقال إياس بن معاوية ومالك‏:‏ الربح على ما شرطاه لأنه نوع تعد‏,‏ فلا يمنع كون الربح بينهما على ما شرطاه كما لو لبس الثوب وركب دابة ليس له ركوبها وقال القاضي‏:‏ إذا اشترى في الذمة‏,‏ ثم نقد المال فالربح لرب المال وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل‏,‏ في إحدى الروايتين والأخرى هو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه صح‏,‏ وإلا بطل والمذهب الأول نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال أبو بكر‏:‏ لم يرو أنه يتصدق بالربح إلا حنبل واحتج أحمد بحديث عروة البارقي‏,‏ وهو ما روى أبو لبيد عن عروة بن الجعد قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ عرض للنبي -صلى الله عليه وسلم- جلب‏,‏ فأعطاني دينارا فقال‏:‏ عروة ائت الجلب‏,‏ فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار‏,‏ فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني‏,‏ فبعت منهما شاة بالدينار فجئت بالدينار وبالشاة فقلت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ هذا ديناركم وهذه شاتكم قال‏:‏ وكيف صنعت‏؟‏ فحدثته الحديث فقال‏:‏ اللهم بارك له في صفقة يمينه ‏)‏‏)‏ رواه الأثرم ولأنه نماء مال غيره‏,‏ بغير إذن مالكه فكان لمالكه كما لو غصب حنطة فزرعها فأما المضارب‏,‏ ففيه روايتان إحداهما لا شيء له لأنه عقد عقدا لم يؤذن له فيه فلم يكن له شيء‏,‏ كالغاصب وهذا اختيار أبي بكر والثانية له أجر لأن رب المال رضي بالبيع وأخذ الربح‏,‏ فاستحق العامل عوضا كما لو عقده بإذن وفي قدر الأجر روايتان إحداهما أجر‏,‏ مثله ما لم يحط بالربح لأنه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى‏,‏ فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة والثانية‏,‏ له الأقل من المسمى أو أجر المثل لأنه إن كان الأقل المسمى فقد رضي به فلم يستحق أكثر منه‏,‏ وإن كان الأقل أجر المثل لم يستحق أكثر منه لأنه لم يعمل ما رضي به وإن قصد الشراء لنفسه فلا أجر له‏,‏ رواية واحدة وقال القاضي وأبو الخطاب‏:‏ إن اشترى في ذمته ثم نقد المال فلا أجر له‏,‏ رواية واحدة وإن اشترى بعين المال فعلى روايتين‏.‏

فصل‏:‏

وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه من نشر الثوب‏,‏ وطيه وعرضه على المشترى ومساومته‏,‏ وعقد البيع معه وأخذ الثمن وانتقاده‏,‏ وشد الكيس وختمه وإحرازه في الصندوق‏,‏ ونحو ذلك ولا أجر له عليه لأنه مستحق للربح في مقابلته فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر عليه خاصة لأن العمل عليه فأما ما لا يليه العامل في العادة مثل النداء على المتاع ونقله إلى الخان‏,‏ فليس على العامل عمله وله أن يكترى من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه‏,‏ فرجع فيه إلى العرف فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه أجرا فلا شيء له أيضا‏,‏ في المنصوص عن أحمد وخرج أصحابنا وجها إن له الأجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه‏,‏ هل له أجر لذلك‏؟‏ على روايتين وهذا مثله والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء فلم يستحق شيئا كالأجنبي‏.‏

فصل‏:‏

وإذا سرق مال المضاربة أو غصب‏,‏ فعلى المضارب طلبه والمخاصمة فيه في أحد الوجهين‏,‏ وفي الآخر ليس عليه ذلك لأن المضاربة عقد على التجارة فلا تدخل فيه الخصومة والأول أولى لأنه يقتضي حفظ المال‏,‏ ولا يتم ذلك إلا بالخصومة والمطالبة سيما إذا كان غائبا عن رب المال إما لسفر المضارب‏,‏ أو رب المال فإنه لا يطالب به إلا المضارب فإن تركه ضاع فعلى هذا إن ترك الخصومة والطلب به في هذه الحال‏,‏ غرمه لأنه ضيعه وفرط فيه وإن كان رب المال حاضرا وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه‏,‏ ولا يضمنه إذا تركه لأن رب المال أولى بذلك من وكيله‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشترى للمضاربة عبدا فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح‏,‏ فالأمر إلى رب المال إن شاء اقتص وإن شاء عفا على غير مال‏,‏ وتبطل المضاربة فيه لذهاب رأس المال وإن شاء عفا على مال فإن عفا على مال مثل رأس المال أو أقل‏,‏ أو أكثر فالمضاربة بحالها والربح بينهما على شرطهما لأنه وجد بدل عن رأس المال‏,‏ فهو كما لو وجد بدله بالبيع وإن كان في العبد ربح فالقصاص إليهما والمصالحة كذلك لكونهما شريكين فيه والحكم في انفساخ المضاربة وبقائها على ما تقدم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال‏]‏

يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه‏,‏ ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح‏,‏ سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة أو الخسران في صفقة والربح في أخرى أو أحدهما في سفرة والآخر في أخرى لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال‏,‏ وما لم يفضل فليس بربح ولا نعلم في هذا خلافا وأما ملك العامل لنصيبه من الربح بمجرد الظهور قبل القسمة فظاهر المذهب أنه يثبت هذا الذي ذكره القاضي مذهبا وبه قال أبو حنيفة وحكى أبو الخطاب رواية أخرى‏,‏ أنه لا يملكه إلا بالقسمة وهو مذهب مالك وللشافعي قولان كالمذهبين واحتج من لم يملكه بأنه لو ملكه لاختص بربحه ولوجب أن يكون شريكا لرب المال‏,‏ كشريكى العنان ولنا أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه‏,‏ وهو أن يكون له جزء من الربح فإذا وجد يجب أن يملكه بحكم الشرط كما يملك المساقى حصته من الثمرة لظهورها‏,‏ وقياسا على كل شرط صحيح في عقد ولأن هذا الربح مملوك فلا بد له من مالك‏,‏ ورب المال لا يملكه اتفاقا ولا تثبت أحكام الملك في حقه فلزم أن يكون للمضارب‏,‏ ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكى العنان ولا يمنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح‏,‏ وبهذا امتنع اختصاصه بربحه ولأنه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه قال أحمد إذا وطئ المضارب جارية من المضاربة‏,‏ فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم تكن أم ولده وإن ظهر فيه ربح‏,‏ فهي أم ولده وهذا يدل على أنه يملك الربح بالظهور‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة‏,‏ فإن الخسران لا ينقص به رأس المال لأنه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينقص بما أخذه رب المال وهي العشرة‏,‏ وقسطها من الخسران وهو درهم وتسع درهم ويبقى رأس المال ثمانين وثمانية دراهم وثمانية أتساع درهم وإن كان أخذ نصف التسعين الباقية‏,‏ وبقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع وكذلك إذا ربح المال‏,‏ ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين‏,‏ فأخذها رب المال لبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا لأنه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه‏,‏ وهو ستة عشر وثلثان وحظها من الربح ثلاثة وثلث ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال‏,‏ فبقي نصف المال وإن أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسين وثلثا لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه‏,‏ وهو ما ذكرنا وإن أخذ منه ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها‏,‏ كان له على رب المال خمسة لأن ما أخذه رب المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر بربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته إياه‏,‏ وقد أخذ من الربح عشرة لأن سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الأربعين كلها‏,‏ بل رد منها إلى رب المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين‏.‏

فصل‏:‏

إذا اشترى رب المال من مال المضاربة شيئا لنفسه‏,‏ لم يصح في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي ويصح في الأخرى وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة لأنه قد تعلق حق المضارب به فجاز له شراؤه‏,‏ وكما لو اشترى من مكاتبه أو من عبده المأذون الذي عليه دين ولنا أنه ملكه فلم يصح شراؤه له‏,‏ كشرائه من وكيله وعبده المأذون الذي لا دين عليه وفارق المكاتب فإن السيد لا يملك ما في يده ولهذا لا يزكيه وله أخذ ما فيه شفعة بها فأما المأذون له‏,‏ فلا يصح شراء سيده منه بحال ويحتمل أن يصح إذا استغرقته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده والصحيح الأول لأن ملك السيد لم يزل عنه وإن استحق أخذه كمال المفلس‏.‏

فصل‏:‏

وإن اشترى المضارب لنفسه من مال المضاربة‏,‏ ولم يظهر في المال ربح صح نص عليه أحمد وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وحكى ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو ثور‏:‏ البيع باطل لأنه شريك ولنا أنه ملك لغيره‏,‏ فصح شراؤه له كما لو اشترى الوكيل من موكله وإنما يكون شريكا إذا ظهر ربح لأنه إنما يشارك رب المال في الربح‏,‏ لا في أصل المال ومتى ظهر في المال ربح كان شراؤه كشراء أحد الشريكين على ما سنذكره‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا اشترى سلعتين‏,‏ فربح في إحداهما وخسر في الأخرى جبرت الوضيعة من الربح‏]‏

وجملته أنه إذا دفع إلى المضارب ألفين‏,‏ فاشترى بكل ألف عبدا فربح في أحدهما وخسر في الآخر‏,‏ أو تلف وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا إلا بعد كمال الألفين وبهذا قال الشافعي إلا فيما إذا تلف أحد العبدين‏,‏ فإن أصحابه ذكروا فيه وجها ثانيا أن التالف من رأس المال لأنه بدل أحد الألفين ولو تلف أحد الألفين‏,‏ كان رأس المال فكذلك بدله ولنا أنه تلف بعد أن دار في القراض وتصرف في المال بالتجارة‏,‏ فكان تلفه من الربح كما لو كان رأس المال دينارا واحدا فاشترى به سلعتين‏,‏ ولأنهما سلعتان تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى فجبر تلفها به كما لو كان رأس المال دينارا‏,‏ ولأنه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحا حتى يكمل رأس المال‏,‏ كالذي ذكرنا فأما إن تلف أحد الألفين قبل الشراء به والتصرف فيه أو تلف بعضه انفسخت المضاربة فيما تلف‏,‏ وكان رأس المال الباقي خاصة وقال بعض الشافعية‏:‏ مذهب الشافعي أن التالف من الربح ورأس المال الألفان معا لأن المال إنما يصير قراضا بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف وبعده ولنا أنه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه‏,‏ فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح‏.‏

فصل‏:‏

وإذا دفع إليه ألفا مضاربة‏,‏ ثم دفع إليه ألفا آخر مضاربة وأذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز‏,‏ وصارا مضاربة واحدة كما لو دفعهما إليه مرة واحدة وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع لم يجز لأن حكم الأول استقر‏,‏ فكان ربحه وخسرانه مختصا به فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فإن نض‏,‏ الأول جاز ضم الثاني إليه لزوال هذا المعنى وإن لم يأذن له في ضم الثاني إلى الأول لم يجز له ذلك نص عليه أحمد وقال إسحاق له ذلك قبل أن يتصرف في الأول ولنا‏,‏ أنه أفرد كل واحد بعقد فكانا عقدين لكل عقد حكم نفسه ولا تجبر وضيعة أحدهما بربح الآخر‏,‏ كما لو نهاه عن ذلك‏.‏

فصل‏:‏

قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضارب بربح ويضع مرارا فقال‏:‏ يرد الوضيعة على الربح إلا أن يقبض المال صاحبه‏,‏ ثم يرده إليه فيقول‏:‏ اعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا تجبر به وضيعة الأول فهذا ليس في نفسى منه شيء‏,‏ وأما ما لم يدفع إليه فحتى يحتسبا حسابا كالقبض كما قال ابن سيرين قيل‏:‏ وكيف يكون حسابا كالقبض‏؟‏ قال‏:‏ يظهر المال يعني ينض ويجيء‏,‏ فيحتسبان عليه فإن شاء صاحب المال قبضه قيل له‏:‏ فيحتسبان على المتاع‏؟‏ فقال‏:‏ لا يحتسبان إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع قال أبو طالب‏:‏ قيل لأحمد رجل دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع‏,‏ فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له‏:‏ اذهب فاعمل بها فربح‏؟‏ قال‏:‏ يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة‏,‏ إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها إليه فأما قبل ذلك‏,‏ فلا شيء للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ولو أن رب المال والمضارب اقتسما الربح أو أخذ أحدهما منه شيئا بإذن صاحبه‏,‏ والمضاربة بحالها ثم سافر المضارب به فخسر‏,‏ كان على المضارب رد ما أخذه من الربح لأننا تبينا أنه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قارض في مرضه صح لأنه عقد يبتغي به الفضل‏,‏ فأشبه البيع والشراء وللعامل ما شرط له من الربح وإن زاد على شرط مثله‏,‏ وإلا يحتسب به من ثلثه لأن ذلك غير مستحق من مال رب المال وإنما حصل بعمل المضارب في المال فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل‏,‏ بخلاف ما لو حابي الأجير في الأجر فإنه يحتسب بما حاباه من ثلثه لأن الأجر يؤخذ من ماله ولو شرط في المساقاة والمزارعة أكثر من أجر المثل احتمل أن لا يحتسب به من ثلثه لأن الثمرة تخرج على ملكيهما‏,‏ كالربح في المضاربة واحتمل أن يكون من ثلثه لأن الثمرة زيادة في ملكه خارجة عن عينه‏,‏ والربح لا يخرج من عين المال إنما يحصل بالتقليب‏.‏

فصل‏:‏

وإذا مات رب المال قدمنا حصة العامل على غرمائه‏,‏ ولم يأخذوا شيئا من نصيبه لأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه وليس لرب المال شيء من نصيبه‏,‏ فهو كالشريك بماله ولأن حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان مقدما‏,‏ كحق الجناية ولأنه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق‏,‏ كحق الرهن‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا تبين للمضارب أن في يده فضلا لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال‏]‏

وجملته أن الربح إذا ظهر في المضاربة لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير إذن رب المال لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا وإنما لم يملك ذلك لأمور ثلاثة‏:‏ أحدها‏,‏ إن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له فيخرج بذلك عن أن يكون ربحا والثاني‏,‏ إن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث أن ملكه عليه غير مستقر لأنه بعرض أن يخرج عن يده بجبران خسارة المال وإن أذن رب المال في أخذ شيء‏,‏ جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما‏.‏

فصل‏:‏

وإن طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال وأبي الآخر‏,‏ قدم قول الممتنع لأنه إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح‏,‏ وإن كان العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما وسواء اتفقا على قسمة جميعه أو بعضه‏,‏ أو على أن يأخذ كل واحد منهما شيئا معلوما ينفقه ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه‏,‏ أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربح نصفين وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تجوز القسمة حتى يستوفي رب المال ماله قال ابن المنذر إذا اقتسما الربح ولم يقبض رب المال رأس ماله فأكثر أهل العلم يقولون‏:‏ يرد العامل الربح حتى يستوفي رب المال ماله ولنا‏,‏ على جواز القسمة أن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه‏,‏ كالشريكين أو نقول‏:‏ إنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاضلة كشريكى العنان‏.‏

فصل‏:‏

والمضاربة من العقود الجائزة‏,‏ تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته‏,‏ وجنونه والحجر عليه لسفه لأنه متصرف في مال غيره بإذنه فهو كالوكيل ولا فرق بين ما قبل التصرف وبعده فإذا انفسخت والمال ناض لا ربح فيه‏,‏ أخذه ربه وإن كان فيه ربح قسما الربح على ما شرطاه وإن انفسخت والمال عرض‏,‏ فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن طلب العامل البيع‏,‏ وأبي رب المال وقد ظهر في المال ربح‏,‏ أجبر رب المال على البيع وهو قول إسحاق والثوري لأن حق العامل في الربح ولا يظهر إلا بالبيع وإن لم يظهر ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه‏,‏ وقد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على بيعه وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ فيه وجه آخر أنه يجبر على البيع لأنه ربما زاد فيه زائد أو رغب فيه راغب‏,‏ فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل في البيع حظ ولنا أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ‏,‏ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشتري‏,‏ كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك لأنه مستحق للأرض فهاهنا أولى وما ذكروه من احتمال الزيادة‏,‏ بزيادة مزايد أو راغب على قيمته فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل وإن طلب رب المال البيع‏,‏ وأبي العامل ففيه وجهان‏:‏ أحدهما يجبر العامل على البيع وهو قول الشافعي لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه والثاني‏,‏ لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح أو أسقط حقه من الربح لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال‏,‏ فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم‏,‏ أو دراهم فصار دنانير فهو كما لو كان عرضا‏,‏ على ما شرح وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه‏,‏ ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه رأس ماله على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح‏.‏

فصل‏:‏

وإن انفسخ القراض‏,‏ والمال دين لزم العامل تقاضيه سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن ظهر ربح‏,‏ لزمه تقاضيه وإن لم يظهر ربح لم يلزمه تقاضيه‏,‏ لأنه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل ولنا أن المضاربة تقتضى رد رأس المال على صفته‏,‏ والديون لا تجرى مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر في المال ربح‏,‏ وكما لو كان رأس المال عرضا ويفارق الوكيل فإنه لا يلزمه رد المال كما قبضه ولهذا لا يلزمه بيع العروض ولا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فإن اقتضى منه قدر رأس المال‏,‏ أو كان الدين قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضا لأنه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على وجه يمكن قسمته‏,‏ ووصول كل واحد منهما إلى حقه منه ولا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه‏.‏

فصل‏:‏

وأى المتقارضين مات أو جن انفسخ القراض لأنه عقد جائز‏,‏ فانفسخ بموت أحدهما وجنونه كالتوكيل فإن كان الموت أو الجنون برب المال فأراد الوارث أو وليه إتمامه‏,‏ والمال ناض جاز ويكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال‏,‏ وحصة العامل من الربح شركة له مشاعة وهذه الإشاعة لا تمنع لأن الشريك هو العامل وذلك لا يمنع التصرف وإن كان المال عرضا وأرادوا إتمامه فظاهر كلام أحمد جوازه لأنه قال‏,‏ في رواية على بن سعيد‏:‏ إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع ولا يشترى إلا بإذن الورثة فظاهر هذا بقاء العامل على قراضه وهو منصوص الشافعي لأن هذا إتمام للقراض لا ابتداء له‏,‏ ولأن القراض إنما منع منه في العروض لأنه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها أو قيمتها ويختلف ذلك باختلاف الأوقات وهذا غير موجود ها هنا لأن رأس المال غير العروض‏,‏ وحكمه باق ألا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي وذكر القاضي وجها آخر أنه لا يجوز لأن القراض قد بطل بالموت‏,‏ وهذا ابتداء قراض على عروض وهذا الوجه أقيس لأن المال لو كان ناضا كان ابتداء قراض وكانت حصة العامل من الربح شركة له يختص بها دون رب المال وإن كان المال ناضا بخسارة أو تلف كان رأس المال الموجود منه حال ابتداء القراض‏,‏ فلو جوزنا ابتداء القراض ها هنا وبناءهما على القراض لصارت حصة العامل من الربح غير مختصة به وحصتها من الربح مشتركة بينهما‏,‏ وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتهما فيما إذا كان المال ناقصا وهذا لا يجوز في القراض بلا خلاف وكلام أحمد يحمل على أنه يبيع ويشترى بإذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض فأما إن مات العامل أو جن‏,‏ وأراد ابتداء القراض مع وارثه أو وليه فإن كان ناضا جاز‏,‏ كما قلنا فيما إذا مات رب المال وإن كان عرضا لم يجز ابتداء القراض إلا على الوجه الذي يجوز ابتداء القراض على العروض بأن تقوم العروض‏,‏ ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد لأن الذي كان منه العمل قد مات أو جن وذهب عمله‏,‏ ولم يخلف أصلا يبني عليه وارثه بخلاف ما إذا مات رب المال فإن المال المقارض عليه موجود‏,‏ ومنافعه موجودة فأمكن استدامة العقد وبناء الوارث عليه وإن كان المال ناضا‏,‏ جاز ابتداء القراض فيه إذا اختار ذلك فإن لم يبتدئاه لم يكن للوارث شراء ولا بيع لأن رب المال إنما رضي باجتهاد مورثه‏,‏ فإذا لم يرض ببيعه رفعه إلى الحاكم ليبيعه فأما إن كان الميت رب المال فليس للعامل الشراء لأن القراض انفسخ فأما البيع‏,‏ فإن الحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين على ما ذكرناه إذا فسخت المضاربة ورب المال حى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة عليهما‏,‏ كان الربح بينهما والوضيعة على المال‏]‏

وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة فالشرط باطل لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة‏,‏ ومالك وروى عن أحمد أن العقد يفسد به وحكى ذلك عن الشافعي لأنه شرط فاسد فأفسد المضاربة كما لو شرط لأحدهما فضل دراهم والمذهب الأول ولنا‏,‏ أنه شرط لا يؤثر في جهالة الربح فلم يفسد به كما لو شرط لزوم المضاربة ويفارق شرط الدراهم لأنه إذا فسد الشرط ثبتت حصة كل واحد منهما في الربح مجهولة‏.‏

فصل‏:‏

والشروط في المضاربة تنقسم قسمين صحيح‏,‏ وفاسد فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال أو أن يسافر به‏,‏ أو لا يتجر إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يشترى إلا من رجل بعينه فهذا كله صحيح‏,‏ سواء كان النوع مما يعم وجوده أو لا يعم والرجل ممن يكثر عنده المتاع أو يقل وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك‏,‏ والشافعي‏:‏ إذا شرط أن لا يشترى إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو ما لا يعم وجوده‏,‏ كالياقوت الأحمر والخيل البلق لم يصح لأنه يمنع مقصود المضاربة‏,‏ وهو التقليب وطلب الربح فلم يصح كما لو اشترط أن لا يبيع ويشترى إلا من فلان‏,‏ أو أن لا يبيع إلا بمثل ما اشترى به ولنا أنها مضاربة خاصة لا تمنع الربح بالكلية‏,‏ فصحت كما لو شرط أن لا يتجر إلا في نوع يعم وجوده ولأنه عقد يصح تخصيصه بنوع‏,‏ فصح تخصيصه في رجل بعينه وسلعة بعينها كالوكالة وقولهم‏:‏ إنه يمنع المقصود ممنوع‏,‏ وإنما يقلله وتقليله لا يمنع الصحة كتخصيصه بالنوع ويفارق ما إذا شرط أن لا يبيع إلا برأس المال‏,‏ فإنه يمنع الربح بالكلية وكذلك إذا قال‏:‏ لا تبع إلا من فلان ولا تشتر إلا من فلان فإنه يمنع الربح أيضا لأنه لا يشترى ما باعه إلا بدون ثمنه الذي باعه به ولهذا لو قال‏:‏ لا تبع إلا ممن اشتريت منه لم يصح لذلك‏.‏

فصل‏:‏

ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول‏:‏ ضاربتك على هذه الدراهم سنة‏,‏ فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن رجل أعطى رجلا ألفا مضاربة شهرا قال‏:‏ إذا مضى شهر يكون قرضا قال‏:‏ لا بأس به قلت‏:‏ فإن جاء الشهر وهي متاع‏؟‏ قال‏:‏ إذا باع المتاع يكون قرضا وقال أبو الخطاب‏:‏ في صحة شرط التأقيت روايتان إحداهما‏,‏ هو صحيح وهو قول أبي حنيفة والثانية لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري‏,‏ لثلاثة معان‏:‏ أحدها أنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح‏,‏ كالنكاح الثاني أن هذا ليس من مقتضى العقد ولا له فيه مصلحة‏,‏ فأشبه ما لو شرط أن لا يبيع وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضا‏,‏ فإذا منعه البيع لم ينض الثالث إن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والحظ في تبقية المتاع وبيعه بعد السنة فيمتنع ذلك بمضيها ولنا‏,‏ أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة والمعنى الأول الذي ذكروه يبطل بالوكالة الوديعة والمعنى الثاني والثالث يبطل تخصيصه بنوع من المتاع‏,‏ ولأن لرب المال منعه من البيع والشراء في كل وقت إذا رضي أن يأخذ بماله عرضا فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد‏,‏ فصح كما لو قال‏:‏ إذا انقضت السنة فلا تشتر شيئا وقد سلموا صحة ذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإذا اشترط المضارب نفقة نفسه صح‏,‏ سواء كان في الحضر أو السفر وقال الشافعي لا يصح في الحضر ولنا أن التجارة في الحضر إحدى حالتى المضاربة فصح اشتراط النفقة فيها كالسفر‏,‏ ولأنه شرط النفقة في مقابلة عمله فصح كما لو اشترطها في الوكالة‏.‏

فصل‏:‏

والشروط الفاسدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ أحدهما‏,‏ ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشترط لزوم المضاربة أو لا يعزله مدة بعينها‏,‏ أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو لا يبيع إلا ممن اشترى منه أو شرط أن لا يشتري‏,‏ أو لا يبيع أو أن يوليه ما يختاره من السلع أو نحو ذلك‏,‏ فهذه شروط فاسدة لأنها تفوت المقصود من المضاربة وهو الربح أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل القسم الثاني‏:‏ ما يعود بجهالة الربح مثل أن يشترط للمضارب جزءا من الربح مجهولا‏,‏ أو ربح أحد الكسبين أو أحد الألفين أو أحد العبدين‏,‏ أو ربح إحدى السفرتين أو ما يربح في هذا الشهر أو أن حق أحدهما في عبد يشتريه‏,‏ أو يشترط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه أو يشترط جزءا من الربح لأجنبي فهذه شروط فاسدة لأنها تفضى إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح‏,‏ أو إلى فواته بالكلية ومن شرط المضاربة كون الربح معلوما القسم الثالث اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه‏,‏ مثل أن يشترط على المضارب المضاربة له في مال آخر أو يأخذه بضاعة أو قرضا أو أن يخدمه في شيء بعينه‏,‏ أو يرتفق ببعض السلع مثل أن يلبس الثوب ويستخدم العبد‏,‏ ويركب الدابة أو يشترط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن‏,‏ أو شرط المضارب على رب المال شيئا من ذلك فهذه كلها شروط فاسدة وقد ذكرنا كثيرا منها في غير هذا الموضع معللا ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود بجهالة الربح فسدت المضاربة لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأفسد العقد‏,‏ كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا ولأن الجهالة تمنع من التسليم فتفضى إلى التنازع والاختلاف‏,‏ ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب وما عدا ذلك من الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الروايتين عنه‏,‏ أن العقد صحيح ذكره عنه الأثرم وغيره لأنه عقد يصح على مجهول فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح والعتاق والطلاق وذكر القاضي‏,‏ وأبو الخطاب رواية أخرى أنها تفسد العقد لأنه شرط فاسد‏,‏ فأفسد العقد كشرط دراهم معلومة أو شرط أن يأخذ له بضاعة‏,‏ والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة سواء‏.‏

فصل‏:‏

وفي المضاربة الفاسدة فصول ثلاثة‏:‏

الفصل الأول‏:‏

أنه إذا تصرف نفذ تصرفه لأنه أذن له فيه فإذا بطل العقد بقي الإذن فملك به التصرف كالوكيل فإن قيل‏:‏ فلو اشترى الرجل شراء فاسدا ثم تصرف فيه‏,‏ لم ينفذ تصرفه مع أن البائع قد أذن له في التصرف قلنا‏:‏ لأن المشترى يتصرف من جهة الملك لا بالإذن فإن أذن له البائع كان على أنه ملك المأذون له فإذا لم يملك‏,‏ لم يصح وها هنا أذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه وما شرطه من الشرط الفاسد فليس بمشروط في مقابلة الإذن لأنه أذن له في تصرف يقع له

الفصل الثاني‏:‏

أن الربح جميعه لرب المال لأنه نماء ماله‏,‏ وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط فلم يستحق منه شيئا‏,‏ ولكن له أجر مثله نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه واحتج بما روى عن أحمد أنه قال‏:‏ إذا اشتركا في العروض قسم الربح على ما شرطاه قال‏:‏ وهذه الشركة فاسدة واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة‏,‏ فيثبت المسمى في فاسده كالنكاح قال‏:‏ ولا أجر له وجعل أحكامها كلها كأحكام الصحيحة وقد ذكرنا هذا قال القاضي أبو يعلى‏:‏ والمذهب ما حكينا وكلام أحمد محمول على أنه صحح الشركة بالعروض وحكى عن مالك أنه يرجع إلى قراض المثل وحكى عنه‏:‏ إن لم يربح فلا أجر له ومقتضى هذا أنه إن ربح‏,‏ فله الأقل مما شرط له أو أجر مثله ويحتمل أن يثبت عندنا مثل هذا لأنه إذا كان الأقل ما شرط له فقد رضي به فلا يستحق أكثر منه كما لو تبرع بالعمل الزائد‏,‏ ولنا أن تسمية الربح من توابع المضاربة أو ركن من أركانها فإذا فسدت فسدت أركانها وتوابعها‏,‏ كالصلاة ولا نسلم في النكاح وجوب المسمى إذا كان العقد فاسدا وإذا لم يجب له المسمى وجب أجر المثل لأنه إنما عمل ليأخذ المسمى‏,‏ فإذا لم يحصل له المسمى وجب رد عمله إليه وذلك متعذر فتجب قيمته‏,‏ وهو أجر مثله كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا‏,‏ وتلف أحد العوضين في يد القابض له وجب رد قيمته فعلى هذا سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر فأما إن رضي المضارب بالعمل بغير عوض‏,‏ مثل أن يقول‏:‏ قارضتك والربح كله لي فالصحيح أنه لا شيء للمضارب ها هنا لأنه تبرع بعمله فأشبه ما لو أعانه في شيء أو توكل له بغير جعل‏,‏ أو أخذ له بضاعة ‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

في الضمان ولا ضمان عليه فيما يتلف بغير تعديه وتفريطه لأن ما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضمونا في فاسده‏,‏ وما لم يكن مضمونا في صحيحه لم يضمن في فاسده وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد‏:‏ يضمن ولنا أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه‏,‏ فلم يضمنه في فاسده كالوكالة ولأنها إذا فسدت صارت إجارة‏,‏ والأجير لا يضمن سكنى ما تلف بغير تعديه ولا فعله فكذا ها هنا وأما الشركة إذا فسدت فقد ذكرناها قبل هذا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين‏:‏ ضارب بالدين الذي عليك‏]‏

نص أحمد على هذا‏,‏ وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة‏,‏ وممن حفظنا ذلك عنه‏:‏ عطاء والحكم وحماد‏,‏ ومالك والثوري وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي وبه قال الشافعي وقال بعض أصحابنا‏:‏ يحتمل أن تصح المضاربة لأنه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه بإذن رب المال‏,‏ ودفع الدين إلى من أذن له في دفعه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا‏,‏ وقال‏:‏ بعه وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال أن الشراء لرب المال وللمضارب أجر مثله لأنه علقه بشرط‏,‏ ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط والمذهب هو الأول لأن المال الذي في يدي من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ها هنا وإن قال له‏:‏ اعزل المال الذي لي عليك‏,‏ وقد قارضتك عليه ففعل واشترى بعين ذلك المال شيئا للمضاربة وقع الشراء للمشترى لأنه يشترى لغيره بمال نفسه‏,‏ فحصل الشراء له وإن اشترى في ذمته فكذلك لأنه عقد القراض على ما لا يملكه وعلقه على شرط لا يملك به المال‏.‏

فصل‏:‏

وإن قال لرجل‏:‏ اقبض المال الذي على فلان واعمل به مضاربة فقبضه‏,‏ وعمل به جاز في قولهم جميعا ويكون وكيلا في قبضه مؤتمنا عليه لأنه قبضه بإذن مالكه من غيره‏,‏ فجاز أن يجعله مضاربة كما لو قال‏:‏ اقبض المال من غلامى وضارب به قال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن رجل قال‏:‏ أقرضني ألفا شهرا‏,‏ ثم هو بعد الشهر مضاربة‏؟‏ قال‏:‏ لا يصلح وذلك لأنه إذا أقرضه صار دينا عليه وقد ذكرنا أنه لا يجوز أن يضارب بالدين الذي عليه ولو قال‏:‏ ضارب به شهرا ثم خذه قرضا جاز لما ذكرنا فيما تقدم‏.‏

فصل‏:‏

ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال معلوم المقدار ولا يجوز أن يكون مجهولا ولا جزافا‏,‏ ولو شاهداه وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي‏:‏ يصح إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره لأنه أمين رب المال‏,‏ والقول قوله فيما في يديه فقام ذلك مقام المعرفة به ولنا أنه مجهول‏,‏ فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه وذلك لأنه لا يدرى بكم يرجع عند المفاصلة ولأنه يفضي إلى المنازعة والاختلاف في مقداره‏,‏ فلم يصح كما لو كان في الكيس وما ذكروه يبطل بالسلم وبما إذا لم يشاهداه‏.‏

فصل‏:‏

ولو أحضر كيسين‏,‏ في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال‏:‏ قارضتك على أحدهما لم يصح سواء تساوى ما فيهما أو اختلف لأنه عقد يمنع صحته الجهالة‏,‏ فلم يجز على غير معين كالبيع‏.‏